الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/ فأجاب شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية ـ رضي الله عنه : الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا. أصل هذه [المسألة] أن يفرق بين السماع الذي ينتفع به في الدين،وبين ما يرخص فيه رفعًا للحرج، بين سماع المتقربين، وبين سماع المتلعبين. فأما السماع الذي شرعه الله تعالى لعباده، وكان سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم، وزكاة / نفوسهم ـ فهوسماع آيات الله تعالى. وهو سماع النبيين والمؤمنين، وأهل العلم، وأهل المعرفة. قال الله تعالى، لما ذكر من ذكره من الأنبياء في قوله: وبهذا السماع أمر الله تعالى، كماقال تعالى : وكما أثنى على هذا السماع، ذم المعرضين عن هذا السماع، فقال تعالى: وهذا هو السماع الذي شرعه الله لعباده في صلاة الفجر، والعشائين، وغير ذلك. وعلى هذا السماع كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمعون، وكانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم أن يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى: / يا أبا موسى، ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يستمعون. وهذا هو السماع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهده مع أصحابه، ويستدعيه منهم، كما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي القرآن)، قلت: أقرأه عليك وعليك أنزل؟! فقال: (إني أحب أن أسمعه من غيري)، فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية: وقال تعالى: وبذلك يحتج عليهم يوم القيامة. كماقال تعالى: وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} وقد أخبر أن المعتصم بهذا السماع مهتد مفلح، والمعرض عنه ضال شقي. قال تعالى: و [ذكر الله] يراد به تارة: ذكر العبد ربه، ويراد به الذكر الذي أنزله الله. كما قال تعالى: رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} وهذا [السماع] له آثار إيمانية من المعارف القدسية، والأحوال الزكية، يطول شرحها ووصفها، وله في الجسد آثار محمودة من خشوع القلب، ودموع العين، واقشعرار الجلد، وهذا مذكور في القرآن. وهذه الصفات موجودة في الصحابة، ووجدت بعدهم آثار ثلاثة: الاضطراب، والصراخ، والإغماء. والموت في التابعين. وبالجملة، فهذا السماع هو أصل الإيمان؛ فإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق أجمعين ليبلغهم رسالات ربهم، فمن سمع ما بلغه الرسول فآمن به واتبعه اهتدى وأفلح، ومن أعرض عن ذلك ضل وشقى. وأما [سماع المكاء والتصدية] وهو التصفيق بالأيدي، و المكاء مثل الصفير ونحوه، فهذا هو سماع المشركين الذي ذكره الله تعالى في قوله: قد لسعت حية الهوي كبدي ** فلا طبيب لها ولا راقي إلا الحبيب الذي شغفت بـه ** فعنده رقيتي وترياقـــي وأنه تواجد حتى سقطت البردة عن منكبيه، فقال له معاوية: ما أحسن لهوكم! فقال له: (مهلًا يامعاوية، ليس بكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب) فهو حديث مكذوب موضوع باتفاق أهل العلم بهذا الشأن. وأظهر منه كذبًا حديث آخر يذكرون فيه: أنه لما بشر الفقراء بسبقهم الأغنياء إلى الجنة تواجدوا، وخرقوا ثيابهم، وأن جبرائيل نزل من السماء فقال: يا محمد، إن ربك يطلب نصيبه من هذه الخرق، فأخذ منها خرقة فعلقها بالعرش، وإن ذلك هو زيق الفقراء. وهذا وأمثاله إنما يرويه من هو من أجهل الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ومن بعدهم، ومعرفة الإسلام والإيمان. /وهو يشبه رواية من روى :أن أهل الصفة قاتلوا مع الكفار لما انكسر المسلمون يوم حنين، أو غير يوم حنين، وأنهم قالوا: نحن مع الله، من كان الله معه كنا معه، ومن روى :أن صبيحة المعراج وجد أهل الصفة يتحدثون بسر كان الله أمر نبيه أن يكتمه، فقال لهم: (من أين لكم هذا ؟) قالوا: الله علمنا إياه، فقال: (يا رب، ألم تأمرني ألا أفشيه ؟) فقال: أمرتك أنت ألا تفشيه، ولكني أنا أخبرتهم به، ونحو هذه الأحاديث التي يرويها طوائف منتسبون إلى الدين، مع فرط جهلهم بدين الإسلام، فيبنون عليها من النفاق والبدع ما يناسبها. تارة يسقطون التوسط بالرسول وأنهم يصلون إلى الله تعالى من غير طريق الرسل مطلقًا. فهذا أعظم من كفر اليهود والنصارى؛ فإن أولئك أسقطوا وساطة رسول واحد، ولم يسقطوا وساطة الرسل مطلقًا. وهؤلاء إذا أسقطوا وساطة الرسل مطلقًا عن أنفسهم، كان هذا أغلظ من كفر أولئك، لكنهم يقولون: لا تسقط الوساطة إلا عن الخاصة، لا عن العامة،فيكونون أكفر من أهل الكتاب من جهة إسقاط السفارة مطلقًا عنهم، في بعض الأحوال، وأهل الكتاب أكفر من جهة إسقاط سفارة محمد مطلقًا، بل أهل الكتاب الذين يقولون: إنه رسول إلى الأميين دون أهل الكتاب خير من هؤلاء. فإن أولئك أخرجوا عن رسالته من له كتاب، وهؤلاء يخرجون عن رسالته من لا يبقى معه إلا خيالات / ووساوس وظنون ألقاها إليه الشيطان، مع ظنه أنه من خواص أولياء الله، وهو من أشد أعداء الله، وتارة يجعلون هذه الآثار المختلقة حجة فيما يفترونه من أمور تخالف دين الإسلام، ويدعون أنها من أسرار الخواص، كما يفعل الملاحدة والقرامطة والباطنية، وتارة يجعلونها حجة في الإعراض عن كتاب الله وسنة نبيه إلى ما ابتدعوه من اتخاذ دينهم لهوًا ولعبًا. وبالجملة، قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام:أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة،مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب، أو الدف. كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته، واتباع ماجاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر، ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (التصفيق للنساء والتسبيح للرجال)، و(لعن المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء). ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء، كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثًا، ويسمون الرجال / المغنيين مخانيثا، وهذا مشهور في كلامهم. ومن هذا الباب حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ لما دخل عليهـا أبوهـا رضي الله عنه في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضًا بوجهه عنهما، مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط. فقال: (دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا أهل الإسلام) ،ففي هذا الحديث بيان: أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد، كما جاء في الحديث: (ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة) وكان لعائشة لعب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها،وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك،والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع، لا بمجرد السماع. كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية، لا بما يحصل منها بغير الاختيار. وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شىء عليه. وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس / الخمس: من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي. وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر:أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت زمارة راع، فعدل عن الطريق، وقال: (هل تسمع ؟ هل تسمع ؟) حتى انقطع الصوت. فإن من الناس من يقول: بتقدير صحة هذا الحديث، لم يأمر ابن عمر بسد أذنيه، فيجاب بأنه كان صغيرًا، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه. وإنما النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك طلبًا للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قومًا يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كي لا يسمعه، فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك. اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لايندفع إلا بالسد. و بالجملة: فهذه مسألة السماع تكلم كثير من المتأخرين في السماع: هل هومحظور؟ أو مكروه ؟ أو مباح ؟ وليس المقصود بذلك مجرد رفع الحرج، بل مقصودهم بذلك أن يتخذ طريقًا إلى الله يجتمع عليه أهل الديانات لصلاح القلوب، والتشويق إلى المحبوب، / والتخويـف من المرهـوب، والتحزيـن على فـوات المطلوب، فتسـتنزل به الرحمـة، وتستجلب به النعمة، وتحرك به مواجيد أهل الإيمان، وتستجلي به مشاهد أهل العرفان، حتى يقول بعضهم:إنه أفضل لبعض الناس أو للخاصة من سماع القرآن من عدة وجوه، حتى يجعلونه قوتًا للقلوب، وغذاءً للأرواح، وحاديًا للنفوس، يحدوها إلى السير إلى الله، ويحثها على الإقبال عليه. ولهذا يوجد من اعتاده، واغتذى به لا يحن إلى القرآن ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وإذا سمعوا سماع المكاء والتصدية خشعت الأصوات، وسكنت الحركات، وأصغت القلوب، وتعاطت المشروب. فمن تكلم في هذا: هل هو مكروه، أو مباح؟ وشبهه بما كان النساء يغنين به في الأعياد والأفراح، لم يكن قد اهتدى إلى الفرق بين طريق أهل الخسارة، والفلاح، ومن تكلم في هذا: هل هو من الدين؟ ومن سماع المتقين؟ ومن أحوال المقربين؟ والمقتصدين؟ ومن أعمال أهل اليقين؟ ومن طريق المحبين المحبوبين؟ ومن أفعال السالكين، إلى رب العالمين؟ كان كلامه فيه من وراء وراء بمنزلة من سئل عن علم الكلام المختلف فيه: هل هو محمود ؟ أو مذموم ؟ فأخذ / يتكلم في جنس الكلام وانقسامه: إلى الاسم، والفعل، والحرف، أو يتكلم في مدح الصمت،أو في أن الله أباح الكلام والنطق، وأمثال ذلك مما لا يمس المحل المشتبه المتنازع فيه. فإذا عرف هذا، فاعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن،ولا مصر، ولا المغرب،ولا العراق، ولا خراسان، من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية، لا بدف، ولا بكف، ولا بقضيب، وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية، فلما رآه الأئمة أنكروه. فقال :الشافعي ـ رضي الله عنه ـ: خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه (التغبير) يصدون به الناس عن القرآن، وقال يزيد بن هارون: ما يغبر إلا الفاسق، ومتى كان التغبير ؟! وسئل عنه الإمام أحمد، فقال: أكرهه، هو محدث. قيل: أنجلس معهم؟ قال: لا، وكذلك سائر أئمة الدين كرهوه، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه، فلم يحضره إبراهيم بن أدهم، ولا الفضيل بن عياض، ولا معروف الكرخي، ولا أبو سليمان الداراني، ولا أحمد بن أبي الحواري، والسري السقطي، وأمثالهم. والذين حضروه من /الشيوخ المحمودين تركوه في آخر أمرهم. وأعيان المشائخ عابوا أهله، كما فعل ذلك عبد القادر، والشيخ أبو البيان، وغيرهما من المشائخ. وماذكره الشافعي ـ رضي الله عنه ـ من أنه من إحداث الزنادقة كلام إمام خبير بأصول الإسلام، فإن هذا السماع لم يرغب فيه ويدعو إليه في الأصل إلا من هو متهم بالزندقة: كابن الراوندي، والفارابي، وابن سينا، و أمثالهم: كما ذكر أبو عبد الرحمن السلمي ـ في مسألة السماع ـ عن ابن الراوندي [هو أحمد بن يحيى بن إسحاق، أبو الحسين الراوندي أو ابن الراوندي فيلسوف مجاهر بالإلحاد، من سكان بغداد، قال ابن كثير: أحد مشاهير الزنادقة، طلبه السلطان فهرب، ومن فرق المعتزلة [الراوندية] نسبة إليه. مات برحبة مالك بن طوق، (بين الرقة وبغداد)، وقيل: صلبه أحد السلاطين ببغداد. [وفيات الأعيان 1/49 (53)، والأعلام 1/267، 268].، قال: إنه اختلف الفقهاء في السماع: فأباحه قوم، وكرهه قوم. وأنا أوجبه ـ أو قال ـ وأنا آمر به. فخالف إجماع العلماء في الأمر به. و[الفارابي] كان بارعًا في الغناء الذي يسمونه [الموسيقا] وله فيه طريقة عند أهل صناعة الغناء، وحكايته مع ابن حمدان مشهورة، لما ضرب فأبكاهم، ثم أضحكهم، ثم نومهم ثم خرج. و [ابن سينا] ذكر في إشاراته، في [مقامات العارفين] في الترغيب فيه، وفي عشق الصور، ما يناسب طريقة أسلافه الفلاسفة، والصابئين المشركين، الذين كانوا يعبدون الكواكب، والأصنام، كأرسطو وشيعته من اليونان ـ ومن اتبعه كبرقلس، وثامسطيوس، والإسكندر الأفروديسي، وكان أرسطو وزير الإسكندر بن فيلبس المقدوني، /والذي تؤرخ له اليهود والنصارى، وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة. وأما [ذو القرنين] المذكور في القرآن الذي بنى [السد] فكان قبل هؤلاء بزمن طويل، وأما الإسكندر الذي وزر له أرسطو: فإنه إنما بلغ بلاد خراسان ونحوها في دولة الفرس، لم يصل إلى السد وهذه الأمور مبسوطة في غيرهذا الموضع. و [ابن سينا] أحدث فلسفة ركبها من كلام سلفه اليونان، ومما أخذه من أهل الكلام المبتدعين الجهمية، و نحوهم. وسلك طريق الملاحدة الإسماعيلية في كثير من أمورهم العلمية والعملية، ومزجه بشىء من كلام الصوفية، وحقيقته تعود إلى كلام إخوانه الإسماعيلية القرامطة الباطنية" فإن أهل بيته كانوا من الإسماعيلية: أتباع الحاكم الذي كان بمصر وكانوا في زمنه، ودينهم دين أصحاب [رسائل إخوان الصفا]، وأمثالهم من أئمة منافقي الأمم الذين ليسوا مسلمين، ولا يهود ولا نصارى. وكان الفارابي قد حذق في حروف اليونان التي هي تعاليم أرسطو، وأتباعه من الفلاسفة المشائين، وفي أصواتهم صناعة الغناء، ففي هؤلاء الطوائف من يرغب فيه ويجعله مما تزكو به النفوس، وترتاض به، وتهذب به الأخلاق. /أما [الحنفاء] أهل ملة إبراهيم الخليل، الذي جعله الله إماما، وأهل دين الإسلام، الذي لا يقبل الله من أحد دينًا غيره، المتبعون لشريعة خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء ليس فيهم من يرغب في ذلك، ولا يدعو إليه، وهؤلاء هم أهل القرآن، والإيمان، والهدى،والسعد، والرشاد، والنور، والفلاح، وأهل المعرفة والعلم، واليقين والإخلاص، والمحبة له، والتوكل عليه، والخشية له، والإنابة إليه. ولكن قد حضره أقوام من أهل الإرادة، وممن له نصيب من المحبة، لما فيه من التحريك لهم، ولم يعلموا غائلته ولا عرفوا مغبته، كما دخل قوم من الفقهاء أهل الإيمان بما جاء به الرسول في أنواع من كلام الفلاسفة المخالف لدين الإسلام، ظنًا منهم أنه حق موافق ولم يعلموا غائلته، ولا عرفوا مغبته، فإن القيام بحقائق الدين علمًا وحالًا وقولا وعملا ومعرفة وذوقًا وخبرة لا يستقل بها أكثر الناس. ولكن الدليل الجامع هو الاعتصام بالكتاب والسنة، فإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا. وقد قال تعالى : وقد قال تعالى: ومن كان له خبرة بحقائق الدين، وأحوال القلوب ومعارفها، وأذواقها، ومواجيدها. عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب / للقلوب منفعة، ولا مصلحة إلا وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما هو أعظم منه،فهو للروح كالخمر للجسد، يفعل في النفوس فعل حميا الكؤوس . ولهذا يورث أصحابه سكرًا أعظم من سكر الخمر، فيجدون لذة بلا تمييز. كما يجد شارب الخمر، بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما يحصل لشارب الخمر، ويصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، أعظم مما يصدهم الخمر، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء، أعظم من الخمر، حتى يقتل بعضهم بعضًا من غير مس بيد، بل بما يقترن بهم من الشياطين، فإنه يحصل لهم أحوال شيطانية، بحيث تتنزل عليهم الشياطين في تلك الحال. ويتكلمون على ألسنتهم، كما يتكلم الجني على لسان المصروع: إما بكلام من جنس كلام الأعاجم، الذين لا يفقه كلامهم، كلسان الترك، أو الفرس، أو غيرهم، ويكون الإنسان الذي لبسه الشيطان عربيًا لا يحسن أن يتكلم بذلك، بل يكون الكلام من جنس كلام من تكون تلك الشياطين من إخوانهم. وإما بكلام لا يعقل ولا يفهم له معنى. وهذا يعرفه أهل المكاشفة شهودًا وعيانًا. وهؤلاء الذين يدخلون النار مع خروجهم عن الشريعة، هم من هذا النمط. فإن الشياطين تلابس أحدهم، بحيث يسقط إحساس بدنه، حتى إن المصروع يضرب ضربًا عظيمًا، وهو لا يحس بذلك، ولا / يؤثر في جلده، فكذلك هؤلاء تلبسهم الشياطين، وتدخل بهم النار وقد تطير بهم في الهواء، وإنما يلبس أحدهم الشيطان مع تغيب عقله، كما يلبس الشيطان المصروع. وبأرض الهند، والمغرب، ضرب من الزط يقال لأحدهم: المصلي، فإنه يصلي النار كما يصلي هؤلاء، وتلبسه ويدخلها ويطير في الهواء، ويقف على رأس الزج، ويفعل أشياء أبلغ مما يفعله هؤلاء، وهم من الزط الذين لا خلاق لهم، والجن تخطف كثيرًا من الإنس وتغيبه عن أبصار الناس، وتطير بهم في الهواء، وقد باشرنا من هذه الأمور ما يطول وصفه، وكذلك يفعل هذا هؤلاء المتولهون والمنتسبون إلى بعض المشائخ إذا حصل له وجد سماعي، وعند سماع المكاء والتصدية، منهم من يصعد في الهواء، ويقف على زج الرمح، ويدخل النار، ويأخذ الحديد المحمي بالنار ثم يضعه على بدنه، وأنواع من هذا الجنس، ولا تحصل له هذه الحال عند الصلاة، ولا عند الذكر، ولا عند قراءة القرآن؛ لأن هذه عبادات شرعية إيمانية إسلامية نبوية محمدية، تطرد الشياطين، وتلك عبادات بدعية شركية شيطانية فلسفية تستجلب الشياطين. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا / غشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) وقد ثبت في الحديث الصحيح: أن أسيد بن حضير لما قرأ سورة الكهف، تنزلت الملائكة لسماعها، كالظلة فيها السرج. ولهذا كان المكاء والتصدية يدعو إلى الفواحش والظلم، ويصد عن حقيقة ذكر الله تعالى والصلاة كما يفعل الخمر، والسلف يسمونه تغبيرًا؛ لأن التغبير هو الضرب بالقضيب على جلد من الجلود، وهو ما يغبر صوت الإنسان على التلحين، فقد يضم إلى صوت الإنسان، إما التصفيق بأحد اليدين على الأخرى، وإما الضرب بقضيب على فخذ وجلد، وإما الضرب باليد على أختها، أو غيرها على دف أو طبل، كناقوس النصارى، والنفـخ في صفارة؛ كبـوق اليهـود. فمن فعل هـذه الملاهـي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته. وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب فمذهب الأئمة الأربعة: أن آلات اللهو كلها حرام، فقد ثبت في صحيح البخارى وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير، والخمر والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير. و[المعازف] هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة، جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها: أي يصوت بها.ولم يذكر أحد من / أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعًا، إلا أن بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ذكر في اليراع وجهين، بخلاف الأوتار ونحوها، فإنهم لم يذكروا فيها نزاعًا، وأما العراقيون الذين هم أعلم بمذهبه وأتبع له، فلم يذكروا نزاعًا لا في هذا، ولا في هذا، بل صنف أفضلهم في وقته أبو الطيب الطبري [هو طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي الإمام العلامة، شيخ الإسلام، القاضي أبو الطيب، فقيه بغداد. ولد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بآمل. سمع من مفقهه أبي الحسن الماسرجسي، وببغداد من الدارقطني، وغيرهم، استوطن بغداد، ودرّس وأفتى وأفاد، وولى قضاء رُبع الكرخ. قال الخطيب: كان شيخنا أبو الطيب ورعًا عاقلًا، عارفًا بالأصول والفروع، محققًا، حسن الخلق، صحيح المذهب، صحيح العقل، ثابت الفهم، توفى في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة ،وله مائة وسنتان رحمه الله.[سير أعلام النبلاء: 71/668: 671]، شيخ أبي إسحق الشيرازي في ذلك مصنفًا معروفًا، ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو: هل هو حرام ؟ أو مكروه؟ أو مباح؟ وذكر أصحاب أحمد لهم في ذلك ثلاثة أقوال، وذكروا عن الشافعي قولين،ولم يذكروا عن أبي حنيفة ومالك في ذلك نزاعًا. وذكر زكريا بن يحيى الساجي ـ وهو أحد الأئمة المتقدمين المائلين إلى مذهب الشافعي أنه لم يخالف في ذلك من الفقهاء المتقدمين إلا إبراهيم بن سعد من أهل البصرة، وما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي وأبو القاسم القشيري، وغيرهما،عن مالك،وأهل المدينة، في ذلك فغلط، وإنما وقعت الشبهة فيه، لأن بعض أهل المدينة كان يحضر السماع، إلا أن هذا ليس قول أئمتهم وفقهائهم، بل قال إسحاق بن عيسى الطباع [هو إسحاق بن عيسى بن نجيح البغدادي أبو يعقوب بن الطباع، روى عن مالك والحمادين وشريك وابن لهيعة وغيرهم، وعنه:أحمد وأبو خيثمة والدارمي وغيرهم، قال البخاري:مشهور الحديث، وقال صالح ابن محمد :لابأس به صدوق، وقال أبو حاتم: أخوه محمد أحب إليّ منه وهو صدوق، ولد سنة 140 وتوفى سنة 214 أو 215 أو 216. [التهذيب 1/245]: سألت مالكًا عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق، وهذا معروف في كتاب أصحاب مالك، وهم أعلم بمذهبه، ومذهب أهل المدينة من طائفة في / المشرق لا علم لها بمذهب الفقهاء، ومن ذكر عن مالك أنه ضرب بعود فقد افترى عليه، وإنما نبهت على هذا، لأن فيما جمعه أبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن طاهر المقدسي، في ذلك حكايات وآثار، يظن من لا خبرة له بالعلم وأحوال السلف أنها صدق. وكان [الشيخ أبوعبد الرحمن] ـ رحمه الله ـ فيه من الخير والزهد والدين والتصوف ما يحمله على أن يجمع من كلام الشيوخ والآثار التي توافق مقصوده كل ما يجده، فلهذا يوجد في كتبه من الآثار الصحيحة، والكلام المنقول، ما ينتفع به في الدين، ويوجد فيها من الآثار السقيمة، والكلام المردود، ما يضر من لا خبرة له. وبعض الناس توقف في روايته. حتى إن البيهقي كان إذا روى عنه يقول: حدثنا أبو عبد الرحمن من أصل سماعه، وأكثر الحكايات التي يرويها أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة عنه، فإنه كان أجمع شيوخه لكلام الصوفية. و [محمد بن طاهر] له فضيلة جيدة من معرفة الحديث ورجاله، وهو من حفاظ وقته، لكن كثير من المتأخرين: أهل الحديث، وأهل الزهد، وأهل الفقه، وغيرهم، إذا صنفوا في باب ذكروا ما روى فيه من غث وسمين، ولم يميزوا ذلك، كما يوجد ممن يصنف في الأبواب مثل المصنفين في فضائل الشهور، والأوقات، وفضائل الأعمال / والعبادات، وفضائل الأشخاص، وغير ذلك من الأبواب، مثل ما صنف بعضهم في فضائل رجب، وغيرهم في فضائل صلوات الأيام والليالي، وصلاة يوم الأحد، وصلاة يوم الإثنين، وصلاة يوم الثلاثاء، وصلاة أول جمعة في رجب. وألفية رجب، وأول رجب، وألفية نصف شعبان، وإحياء ليلتي العيدين، وصلاة يوم عاشوراء. وأجود ما يروى من هذه الصلوات حديث صلاة التسبيح، وقد رواه أبو داود، والترمذي. ومع هذا فلم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، بل أحمد ضعف الحديث، ولم يستحب هذه الصلوات. وأما ابن المبارك فالمنقول عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فإن الصلاة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها قعدة طويلة بعد السجدة الثانية. وهذا يخالف الأصول فلا يجوز أن تثبت بمثل هذا الحديث. ومن تدبر الأصول علم أنه موضوع. وأمثال ذلك، فإنها كلها أحاديث موضوعة، مكذوبة، باتفاق أهل المعرفة، مع أنها توجد في مثل كتاب أبي طالب، وكتاب أبي حامد، وكتاب الشيخ عبد القادر، وتوجد في مثل أمالي أبي القاسم بن عساكر. وفيما صنفه عبد العزيز الكناني، وأبوعلي بن البنا، وأبو الفضل بن ناصر، وغيرهم. وكذلك / أبو الفرج ابن الجوزي: يذكر مثل هذا في فضائل الشهور، ويذكر في الموضوعات أنه كذب موضوع . والذين جمعوا الأحاديث في [الزهد والرقائق] يذكرون ما روى في هذا الباب، ومن أجل ما صنف في ذلك. وأندره [كتاب الزهد] لعبد الله بن المبارك. وفيه أحاديث واهية، وكذلك [كتاب الزهد] لهناد بن السري، ولأسد بن موسى، وغيرهما، وأجود ما صنف في ذلك: [الزهد] للإمام أحمد، لكنه مكتوب على الأسماء، وزهد ابن المبارك على الأبواب. وهذه الكتب يذكر فيها زهد الأنبياء، والصحابة، والتابعين. ثم إن المتأخرين على صنفين: منهم من ذكر زهد المتقدمين، والمتأخرين، كأبي نعيم في الحلية، وأبي الفرج ابن الجوزي في [صفة الصفوة]. ومنهم من اقتصر على ذكر المتأخرين، من حين حدث اسم الصوفية، كما فعـل أبو عبد الرحمن السلمي في [طبقات الصوفية] وصاحبه أبو القاسم القشيري في الرسالة، ثم الحكايات التي يذكرها هؤلاء بمجردها، مثل ابن خميس، وأمثاله، فيذكرون حكايات مرسلة، بعضها صحيح، وبعضها باطل. /مثل ذكرهم: أن الحسن صحب عليا. وقد اتفق أهل المعرفة على أن الحسن البصري لم يلق عليًا، ولا أخذ عنه شيئًا، وإنما أخذ عن أصحابه: كالأحنف بن قيس، وقيس ابن معاذ، وغيرهما. وكذلك حكاياتهم: أن الشافعي وأحمد اجتمعا لشيبان الرعين، وسألاه عن سجود السهو، وكذلك اتفق أهل المعرفة على أن الشافعي وأحمد لم يلقيا شيبان الرعين، بل ولا أدركاه وقد ذكر أبو عبد الرحمن في [حقائق التفسير] عن جعفر بن محمد، وأمثاله من الأقوال المأثورة ما يعلم أهل المعرفة أنه كذب على جعفر بن محمد، فإن جعفرًا كذب عليه ما لم يكذب على أحد؛ لأنه كان فيه من العلم والدين، ما ميزه الله به، وكان هو وأبوه ـ أبو جعفر ـ وجده ـ على بن الحسين ـ من أعيان الأئمة علما ودينًا، ولم يجئ بعد جعفر مثله في أهل البيت. فصار كثير من أهل الزندقة والبدع ينسب مقالته إليه حتى أصحاب [رسائل إخوان الصفا] ينسبونها إليه، وهذه الرسائل صنفت بعد موته بأكثر من مائتي سنة، صنفت عند ظهور مذهب الإسماعيلية العبيديين، الذين بنوا القاهرة، وصنفت على مذهبهم الذي ركبوه من قول الفلاسفة اليونان، ومجوس الفرس، والشيعة من أهل القبلة، ولهذا قال العلماء: إن ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض. /ونسبوا إلى جعفر أنه تكلم في تقدم المعرفة عن حوادث الكون: مثل اختلاج الأعضاء، والرعود، والبروق، والهفت، وغير ذلك مما نزه الله جعفرا وأئمة أهل بيته عن الكلام فيه. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. والمقصود هنا أن المذكور عن سلف الأمة وأئمتها من المنقولات، ينبغي للإنسان أن يميز بين صحيحه وضعيفه، كما ينبغي مثل ذلك في المعقولات، والنظريات، وكذلك في الأذواق، والمواجيد، والمكاشفات، والمخاطبات، فإن كل صنف من هذه الأصناف الثلاثة، فيها حق وباطل، ولا بد من التمييز في هذا وهذا. وجماع ذلك أن ما وافق كتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه، وما كان عليه أصحابه فهوحق، وما خالف ذلك فهو باطل. فإن الله يقول: الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} وفي صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول: (اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع. وقد تكلمنا على كلام المشائخ في السماع، وما ذكره القشيري في رسالته هو وغيره عنهم، وشرحنا ذلك كلمة كلمة، لكن هذا الموضع لا يتسع لذلك. وجماع الأمر في ذلك أنه إذا كان الكلام في السماع وغيره، هل هو طاعة وقربة؟ فلابد من دليل شرعي يدل على ذلك، وإذا كان الكلام: هل هو محرم؟ أوغير محرم؟ فلابد من دليل شرعي يدل على ذلك. إذ ليس الحرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله، والله سبحانه وتعالى ذم المشركين على أنهم ابتدعوا دينًا لم يشرعه الله لهم، وأنهم حرموا ما لم يحرمه الله تعالى. فقال تعالى :/ وكثير من الناس يفعل في السماع وغيره، ما هو من جنس الفواحش المحرمة، وما يدعوا إليها، وزعمهم أن ذلك يصلح القلوب. فهو مما أمر الله به،فهؤلاء لهم نصيب من معنى هذه الآية، قال تعالى : وقد كان المشركون يحرمون من الطعام واللباس أشياء، ويتخذون ذلك دينًا، وكان بعض الصحابة قد عزموا على الترهب، فأنزل الله تعالى: /وجماع الدين ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، ولا نعبده بالبدع، كما قال تعالى: قال: إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا، لم يقبل. وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا، لم يقبل. حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، وهذا الذي ذكره الفضيل مما اتفق عليه أئمة المشائخ، كما قال أبوسليمان الداراني: إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم، فلا أقبلها إلا بشاهدين اثنين: الكتاب، والسنة، وقال الشيخ أبو سليمان أيضًا: ليس لمن ألهم شيئًا من الخير أن يفعله، حتى يسمع فيه بأثر، فإذا سمع بأثر كان نورًا على نور. وقال الجنيد: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث، لم يصح له أن يتكلم في علمنا هذا، وقال سهل بن عبد الله التستري: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل، وقال: كل عمل على ابتداع فإنه عذاب على النفس، وكل عمل بلا اقتداء فهو غش النفس. /وقال أبوعثمان النيسابوري: من أمَّرَ السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة، لأن الله يقول: وإذا كان كذلك فليس لأحد أن يسلك إلى الله إلا بما شرعه الرسول لأمته، فهو الداعي إلى الله بإذنه، الهادي إلى صراطه، الذي من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، فهو الذي فرق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي. آخره، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
|